دحك و ثريد و درس وحب*
في يوم من أيام شهر القرآن – أعاده الله علينا و عليكم- تحلقت و بني عمومتي حول مائدة الإفطار تحلق العقبان حول فريسة في النزع الأخير. و كما جرت العادة فإن عائلتنا بأكملها تحافظ على الإفطار سوية. فقلت في دهاء لعقاب لا يحضرني إسمه و لا رسمه: تصدق يا أخي, الثريد فن راقي. وليس كل من يجيده. قبل أن "تشرّف حضرتك" على الدنيا كانت جدتنا أنا وإياك آية وغاية في هذا المجال. انتبهت جدتي – حفظها الله - وجعلت تحدج طرفها بي وهي تداعب المسباح في يدها. فخفت باديء الأمر من أي قصف عشوائي بالصحون أو القصاع لكن احتسبت عند الله قول الحق فاستكملت :
"أما الآن وقد طال الزمان, فقد ضاع هذا الفن في غياهيب النسيان يا إخوان. فتارة يأتيك مرق به كسرة من الخبز وكأنها سقطت سهواً من يد أحدهم و تارةً تحس " بخبز الرقاق" ذو الزوايا الحادة يجلف أعلى حلقك وجوانب لثتك فتمضي ليلتك متألماً متعوذاً من بطن لا يشبع.
بدا الأمر على ما يرام, ولم تعلق جدتي أو تشجب "بيان الثريد". فلما كان اليوم التالي إذ بي أفاجىء بصحفة بها مرق, وخبز الرقاق قد وضع جانباً . أما باقي العقبان, فما كان ينتظر ثريدهم سوى الأكل! علت وجهي ابتسامة بلهاء وأنا أنظر إلى جدتي قائلاً : أم سلطان, ما هذا؟
"ثريدنا ما يعجبك, قلت أشوف كيف عيال الحين يسوون الثريد"
و دفعت ثمن فلسفتي باهظاً. ثم تفكرت في بني جيلي "عيال الحين" كم نعيب على أقوام صنعهم ولو وضعنا مكانهم ما زدنا الطين إلا طشاً و رشاً ؟ فالشاب مثلاً, لا يزيد عمره الكروي عن أسبوع يعيب فلان اللاعب و فلان المدرب ولو فعل به كما فعل بي لما استطاع للكرة ركلاً! وليت "عيال الحين" اقتصروا في فلسفتهم على الطبخ والكرة لكان الأمر هيناً ومن جالس "عيال الحين" سمع العجب..
العنوان مقتبس من القصيدة المشهورة على ألسن الناس و تكملة شطر البيت: عيش أيامك عيش لياليك خلي شبابك يفرح بيك. وقد عدها العرب أجود ما قيل في ال"الفرفشة وساعة القلب"
القصاع : جمع قصعة وهي ما يكفي سبعة إلى عشرة من الرجال.
الصَّحْفَةُ: القصعة تكفي الرجل الواحد.
حدج : الرجل ببصرهِ حدَّق
جَلَفَ قِشْرَةَ اللَّيْمُونِ" : قَشَّرَهَا.
الطَّشُّ : المطر الضعيف وهو فوق الرذاذ
الرش: مطر دون الطش
0 Comments:
Post a Comment
<< Home