عالماشي

Saturday, March 25, 2006

قل له : إني أحبه

هي ليلة أخرى من ليالي شتاء روسيا الذي لا تألفه ولا تعتاده عظام الشيوخ برغم تكراره على مدى أعمارهم. هي مشاجرة أخرى مع هذه العجوز الخرقاء التي يقر الناس بأنها زوجته. أما هو, فلا يدري إن كانت فعلاً من أحب. هل ألومها؟ لا فهي لا تعرفني بعد عودتي من الخدمة بالجيش, هي لا تفهم الفقر أو الجوع , هي امرأة ارستقراطية لم تعرف الحرمان يوما. لا.. لست ألومك سونيا.

نظر حوله فتأمل مكتبته الزاخرة بالكتب, أخذ يرجل لحيته بيمينه وينظر إلى الكتب شارد الذهن. سمع معمعة نار المدفأة في الخشب . وقع نظره على كتاب كان قد قرأه من سنين. نعم , لم لا يعيد قراءته من جديد ؟ لقد نسي التفاصيل التي يشتمل عليها, نسي الشخصيات و الأحداث , لكنه يجزم بأن الكتاب حمل معاني عظيمة بنفسه. أليس الأمر كذاك في كل جوانب حياتنا؟ قد ننسى أناساً و حوادثاً بتفاصيلها, قد يتعذر على العقل البشري أن يتذكر كل دقيقة لكن القلب لا ينسى ما أهاج مشاعره و بعثها أبداً, و ما أن يحيي شيء الذكرى حتى تنفض رماد الأيام من على تلكم المشاعر .. أذكر أن الأسكندر الثاني قيصرنا قد بكى عند قراءة الكتاب( بالرغم أن قرار سجن المؤلف تم في عهده), كما بكيت أنا.

تناول الكتاب , قرأ العنوان همساً : "ذكريات من عالم الأموات".. وحدث نفسه : فيودور , ما عساه أن يكون من الرجال إن رأيته ذات يوم؟ أكتب علينا أن نكون نجمي روسيا دون لقاء؟ عجباً لشأني وإياه ..

عكف على القراءة بشراهة, يبتسم لسذاجة المساجين ابتسام الأطفال, لكنه ذرف الدموع لحال الشيخ المنفي. اقشعر بدنه لهول العقوبات البدنية التي أنزلت في حق بعضهم – أربعة ألآف جلدة – أليس هذا سلخ للإنسانية؟ لكن تم إلغاء هذه العقوبات على إثر نشر الكتاب. همهم في وقار للأفكار المتناولة ومنها حب الشعب للعدل ورفض عموم المساجين الإختلاط بالنبلاء , كفيودور, ممن يقضون عقوباتهم في نفس الثكنات. أذاب هذا العملاق نفسه بين دفتي الكتاب. ظل على هذا الحال عدة أيام. بعدها تلقى ستراخوف رسالة , فتضمنت ما يلي :

"كنت أشعر هذه الأيام بضيق شديد فتناولت كتاب " ذكريات من عالم الأموات", فأعدت قراءته. كنت قد نسيت كثيراً منه, فلما أعدت قراءته أيقنت أن ليس في الأدب الجديد كله كتاباً واحداً يفوقه, حتى ولا كتب بوشكين! ليست النبرة هي الشيء الرائع فيه, بل وجهة النظر التي يشتمل عليها. إنه صادق طبيعي مسيحي. إنه كتاب يعلم الدين, فإذا رأيت دوستويفسكي فقل له إني أحبه"

المخلص,

Лев Никола́евич Толсто́й;

*1880

=====================================
نص الرسالة , وكثير من نص الموضوع مثبت تاريخياً.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home


>