جلست ذات يوم بين يدي أستاذي ,منشغلاُ بالقراءة أعدو خلف الأسطر وادعو بداخلي : اللهم سلّم, اللهم سلّم. اللهم سترك الجميل. فقد كنت متأخراً بعض الشيء ولم أرد أن اسمع خطبةً عصماء عن علو الهمة و سيّر الأولين في طلب العلم وإذ بالأستاذ يقول : أريد أن اسألك عن مصطلح غربي.
رفعت بصري إلى حيث جلس وهو يرجل* لحيته بيمينه, و كأنه شخصية من شخصيات ألف ليلة وليلة التي قرأتها في صباي. نعم! سلطان الكتب إسمه والكتب عرشه ,القلم صولجانه و حروف الأبجدية جنده. التفت حولي في الغرفة, وتعوذت بداخلي و حوقلت* "شيخي ممسوس"
بدا علي الإرتباك فقلت في تردد :هل خاطبتني أستاذي؟
- وهل في الغرفة غيرك يا متحذلق*؟
ابتسمت و أرعيته سمعي.
-قرأت في علم النفس كتاباً ترجم عن بني الأحمر يقولون فيه مصطلح أنكرته ولم يرق لي فقلت في نفسي: من غير الأمريكي نسأل ؟
- سل ما بدا لك
(ممارسة الحب! ) ,هكذا ومن دون أي مقدمات ألقى هذه القنبلة الأدبية ! هم يقصدون الجماع أليس كذلك ؟
أحم.. شيخي مش عيب الكلام ده؟ أي نعم أنا أبلغ من العمر ست وعشرين سنة لكن لا أزال بداخلي طفلاً بريئاً ثم ثم.... إيس هدا كلام ما في زين!
ضحك و ضحكت معه, فكذا عودني أن يرفع حجاب المشيخة فينزل متكرماً عن مقام الإستاذية لأغدو رفيقه وصديقه. فاستوضحت منه : وما المأخذ في ذاك ؟ و أنا أعرف مأخذه إلا أني أحببت أن استزيد لنفسي.
- عجباً الا ترى ما أرى ؟ هب أنك قرأت أبواباً في فنون القتال, أفلا يكون تطبيق الحركات تمام المعرفة والشمول ؟ و أنت هنا تتعلم الفقه, ألست تريد ممارسته في عبادتك اليومية؟ وإلا كان حجة عليك! إن الحب عندما يطبق عندهم ويمارس فهو الجماع! وهل انحصر تمام الحب وشموله في هذا المنظار الضيق؟ الحب أعظم من أن يمارس على هذا النحو. لا.. لا, لا بد إنه خطأ في الترجمة أو في إنتقاء الألفاظ؟
To make love - إن ترجمتها حرفياً فهي كما ذكرت!
- سبحان الله! إن من العرب من كان يعف في الخلوة كي لا يفسد الحب وهؤلاء يقولون تطبيق الحب جماع! ألا يفرقون بين الشهوة والحب؟ إذن ما الفرق بينهم وبين الدواب والأنعام؟ أحسب أنك سمعت حديث المصطفى –عليه الصلاة والسلام- مروياً عن ابن عباس بإسنادٍ صحيح :" لم يرى للمتحابين مثل النكاح" والنكاح هنا بمعنى الزواج, إن الجماع في حقيقته حب للقرب من المحبوب, وهو جانب من جوانب ممارسة الحب لا الحب بعينه! تأمل بلاغة نبي الهدى عليه صلوات ربي وتسليماته! فالحياة مع المحبوب بجميعها تعبير عن الحب واستحضر ما قال ابن القيم في جوابه الكافي* : بأن أصل حركة كل متحرك المحبة والإرادة, ... حتى في غضبك من زوجك فأنت تعبر عن حبك, وفي شوقك وفي كل عرض من حياتك ,أنت تمارس الحب مع من تحب, ممارسة الحب عندنا حياة وعندهم برهة من الزمن, يا للعجب!
سكت فجأة فانتبه كمن يفيق من غفلة وحدث ما كنت أخشاه, فقد وقع بصره على الصفحة التي يفترض بي الإنتهاء منها. وابتدأ باب التوبيخ وحفظاً لماء الوجه لست أذكره في مدونتي من باب : ( تأبى الكرامة ومالكم شغل!)
=============================
رجل شعره : سَرَّحه وسَوَّاه وزَيَّنه
حوقلت : قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله.
"متُحَذْلِقٌ فِي كَلاَمِهِ" : مُتَصَنِّعٌ، مُتَكَلِّفٌ الْحِذْقَ والقُدْرَةَ.
الجواب الكافي وهو كتاب لإبن القيم.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home