رائـــد, إليك ربي
دعيت ذات يوم إلى عشاء عمل, و صفة العمل ملحوقة بالعشاء لإنها الرابط الذي يجمع المدعويين بعضهم ببعض.. (وما أوهن هذا الرابط), دخلت المطعم وإذ بالقوم أخذوا أماكنهم في مكان مظلم, أوقد الشمع من حوله. ظننته بادىء الأمر مجلساً من مجالس الصوفية أو جلسة تحضير أرواح! ثم تذكرت أنه يعد من "حركات و بركات" بعض الأمم. جلست بجانب أبو نعمان البريطاني , و جلس بجانبه أبو تندور الهندي. تسامر القوم الذين لم يجاوز عددهم العشرة و خاضوا في كل شيء ولا شيء, ولم تبق نكتة سمجة إلا وصبت علي ولا خبر لا فائدة ترجى منه إلا حشيت به أذناي حتى وضع الطعام فحمدت الله : أي نعمة أتقلب فيها؟ إن العولمة تتجلى بوضوح على سفرتنا. فالأطباق هندية الأصل, والدجاج بريطاني , والشوك والملاعق من الصين, والشموع من تايلند أما المستهلك فعربي بطبيعة الحال.ويا ليت الطعام أسكتهم, فلا سخونة تكبتهم ولا حرارة تخرس ألسنتهم. أخذت بطوننا بالإمتلاء وأفواهنا تمضغ ببطء حتى أخذنا نأكل للتسلية فقط دون الجوع. أمسك أبو تندور عن الطعام ليناولني هاتفه المحمول فقال : انظر.
حانت مني إلتفاتة فرأيت حسناء زرقاء! فنظرت إليه مرةً أخرى وعلى وجهي لوحة فنية عنوانها : يا قلة أدبك! وإذ به يقول : رائد( أخذت الدموع تترقرق في عينيه حينها) إليك ربي.
نعم؟
ربي..
يعني خالقك أنت ومن يؤمن به من قومك؟
نعم, كريشنا.
ثم نظرت وفكرت و قدرت : فرأيت شاب أزرق اللون في إزار برتقالي عليه أصباغ شتى! أمات متجمداً ؟ وما شأن الأصباغ؟
ثم سأل: ما رأيك ؟
تلعثمت وبهت بياني فما عدت اعقل شيئاً فكان أول ما حضرني كلمات جدتي لكل من أراها صورة ولده , فقلت لا لا , و كيف لي أن أقول " يحليله ربك!" أحسبني عندئذ استضعفته!
لمحته فإذ به لا زال يحتري إجابة فهمست: سحقاً أين ذهب الكلام؟ "الله يخليلك ربك" كيف؟ سأرمي ربه بالفناء! ومن كتب الموت عليه فليس برب! رددت الهاتف إليه وعلى وجهي إبتسامة بلهاء, وإذ بالملحد أبو نعمان يطلب النظر إلى الرب الذي حوته شاشة هاتف.
صمت أبو نعمان دهراً ونطق كفراً فقال :
كم يبدو جميلاًُ! ,wow
أصابني صداع, حسبت أنها اللقطة المعتادة في كل مسلسل قطري (حين يصاب الرجل الشرير بشلل نصفي ما أن يزبد ويرعد) – يا قوم أليس منكم رجل رشيد؟- تباً لكذا عمل وتباً لكذا عشاء! أفي "غرزة محششين" أوثقت؟ أم بين المجانين سجنت؟ الحمد لله على الطعام.. الحمدلله على صمت أبلغ من الكلام.. الحمدلله على نعمة الإسلام!
مسلم موّحد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home