عالماشي

Tuesday, January 24, 2006

ألا مرحبا بالرسل


- شوف شيخ..

- دعني أنظر. لم أحرك ساكناً

- ما في مشكل شيخ أنا..

ألقمته أذني, و بكل خبث جعل يعرض خطته علي همساًَ - وأنا أتأمل صفحة وجهه في المرآة أمامي - وما هو صانع تجاه هذه اليتيمة التي لم تضل الطريق بل أرسلت من قبل ملك مهيب إلا حيث وقفت صامتة متحدية. بيضاء كالبدر في ليل ديجور, تقف في شموخ وعزة لا تبالي به أو بي أو بالسواد العظيم المحدق بها. ما أبلغ الرسول إن أفصح رسالته دون أن ينبس ببنت شفة.

قطبت جبيني ورحت أحدق فيه : يا للزمن, لا رجال فيه! تباً لك و سحقا.. أي رجل تحسبني يا هذا ؟ إياك والإقتراب منها, إن لم تك فيك خصلة من مكارم العرب فدع الخوف رادعاً لقبيح ما تشير علي به. ما أنت صانع- قاتلك الله- إن جاء أهلها يطلبون دمها؟ أتحسب أنك تستطيع صد العشرات بل المئات منهم؟

ثم التفت إليها مبتسماً وأنا قول في قرارة نفسي :" لا عليك, سنكرم رفدك ونحسن وصلك" أما هو, فعاد إلى الصمت و المضي في عمله قائلاً (ما في معلوم عربي). ناديت على نفسي أن تهم بالدخول إلى جسدها قبل أن أطبق ورائها جفناي. هناك وفي داخل الجسد حيث الظلمة ولا نور ظننت أني لا زلت في شرخ الشباب, ظننت أني في زهرة العمر, حتى فجعني هذا الحلاق بأول شعرة بيضاء لاحت في عارضي, وكأنها نذير الشتاء. شتاء لا ربيع بعده فهو من بارد إلى أبرد. عما قريب, سأودع هذا الفصل من فصول عمري فصل الشباب وما جنيت ثماره بعد.

وهائنذا عائد كعادتي إلى الشعر, فقد كنت أحفظ أبياتاً في الغزل, و في الوصف, و في الحماسة لكثرة استشهادي بها وأعرض عن أبيات المشيب, فأي حاجة لشاب مثلي بها؟ أعود إلى دواوين الشعر فاقف على تلكم الأبيات وقفة مصلٍ خاشع في محرابه أو محب باكٍ على أطلاله.

ذهبَ الشبابُ ولا أراه يزورُني ***** بعدَ الذَّهابِ ولا أراه يُزارُ

رباه..

دقت العظام, معدودة هي الأيام والرأس يغدو كالثغام,

رباه..

مغفرةً

رباه..

حسن ختام.


و رحم الله امرؤ سمع دعاء شقي فأمن.

================================================
نَبَّسَ يُنَبِّسُ تَنْبِيساً : نبسَ أي نطق الحرف بمهلة وخوف؛ ما نبَّسَ ببنت شفةٍ.

"حَدَقَ بِهِ" : أَحاطَ بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَة

حدق في : نظر إلى

قطب جبينه: قَطَبَ أي ضمَّ ما بين حاجبيه وعبس

ديجور: ظلام

أطبق: أغلق

قال : آمين

رفد : عَطاءً وَصِلَةً

الثَّغَامُ : شجر أبيض الزَّهر والثمر؛ كان العرب يشبهون الشيب في الرأس بالثَّغام

0 Comments:

Post a Comment

<< Home


>