عالماشي

Tuesday, May 23, 2006

إما مرضى أو أطفال

أن يمنع المرء أذاه فهذا واجب عليه, لكن كيف السبيل للصبر على أذى الناس ؟ و هل يمر يوم إلى وقد تسمع كذباً أو غباءً و تحشي رأسك هراءً؟ أيمر يوم دون فعل تستهجنه أو سلوك تضيق ذرعاً به؟ هل يُرد الصاع صاعين و يُعمل بقول الشاعر:

أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا *** فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا

أليست قلة الأدب مع قليل أدب ,أدب؟ وما أن تهم بذا المبدأ حتى تعود إلى نفسك, أما يكفي أن يعكر هذا المخلوق عليك دنياك حتى يسلبك حسناتك فيفسد عليك آخرتك؟ تلزم الصبر حينها والإحتساب هذا إن سلمك الله من الذهاب إلى السوق , وما أدراك ما السوق ؟ غش وفحش و دحك و حب! و بعد يوم طويل حار رطب منقوش بسخافات تحدث لك أثناء العمل, مزركش بكلمات تجاهد نفسك لتنساها تفر إلى بيتك فتغلق بابك وتعزم أمرك وتجمع حزمك أن تشتري مؤونة سنة و "بلا طلعة وكلام فاضي" وبارك الله في العزلة! ومنهج الشاعر القائل

عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى **** وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطيرُ

احسن من منهج من تقدم. ثم يبدر من أهل بيتك فعل بسيط, فـتـثـور ثائرتك و يزداد حنقك لتنفجر غضباً. كيف لا ؟ الكرامة انجرحت, و الكبرياء انخدش, الكل يتآمر ليرفع ضغطك : المدير بطلباته التي تفوق طلبات إمبراطور الصين, الفرّاش بغباءه المصطنع للهروب مما يكلف به , البائع السمج الحالف أغلظ الأيمان أن البضاعة هي "آخر حبة" و ما أكثر حبيباته في الخفاء! الشاب السخيف عند الإشارات (هذه للبنات) فتصرخ "ألف مرة أقول لكم ما احب الطماط مع التونة! " أنت تدري بداخلك أن الطماط بريء "الطماط يعور القلب ماله شغل".. لكنها القشة تقصم ظهر البعير و سرعان ما تندم, لأن هؤلاء الأحباب أجدر بالصبر من الأغراب. سئمت وفاض الكيل بل طفح..حتى قرأت مقولة لدويستفسكي على لسان قس في رائعته (الأخوة كرامازوف) :" عامل الناس على أنهم أحد اثنين إما مرضى أو أطفال." استوقفتني هذه المقولة فقلبت النظر فيها,قررت إنزالها بمن عرفت فكم هان علي ما فعلوه أو قالوه.

هل تغضب من طفل لا زال يجهل للكلمات انـتـقاءً ولا يدري إن كان يقول الصدق أم لا ؟ هل تجادله فتقول هذا كذب , هذا مستحيل ؟ أم تبتسم سائلاً إياه : قول والله؟ أتأبه لأفعال تصدر مريض خلط فما عاد يعرف الحق من باطل ولا يكاد يميز أو يبين؟ أم تسكت وتسأل الله العافية ؟ أصبح أذاهم كوقع الذباب بل هو أهون ما عدت اعبأ بما يقولون أو أكترث بما يفعلون.

مع تحيات,

طفل مريض.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home


>