من قديم ما نشرت ...عل في القراء من يجدها جديدا..
لمسة من عالم آخر
في يوم من أيام الله انتهى بي المطاف إلى زاوية في مقهىً عربي , أحضرت قهوتي فهممت بالقراءة وأنا لا أدري لأيهما أنا أشد إدمانا؟ وإذ برجل و زوجته معهم من الأطفال الرضع ثلاث هم آية في الجمال, وقد جلسوا جنباً لجنب فكأنك ترى ثلاث أقمار تجلت الدنيا بزخرفها في محياهم, دعج العيون يخالط بياض وجنتهم حمرة أشبه ما تكون بحب رمان تناثر على مرمر و رخام .
جلست الأم بجانب العربة, وجلس الأب في الطرف الآخر من الطاولة. أما الرضع فقد توسد صاحب الجناح الأيمن وصاحبه ذو الجناح الأيسر واعتدل الأوسط في جلسته وكأنه صاحب راية, أو ملك مهيب بين وزيريه و أخذ الفضول مأخذه منهم فذهبوا يحملقون في كل شيء وتطال أعينهم ما عجزت أيديهم عنه, فانتبه الأيسر منهم إلي و ظل يرمقني , ولا أخفي القراء أني ظللت أحملق فيه تحدياً ثم انتبه الآخران فهبوا لنجدته و ظلوا يرشقون سهام اللحظ حتي وليت هارباً خلف صفحات الكتاب و إلى القراءة والكثرة تغلب الشجاعة, عدا العرب. ثم كررت مرةً أخرى وإذ بالأوسط سئم النظر, و ساوره الملل و استوحش وتبدلت معالم وجهه ككثبان الصحراء في يوم عاصف , فانقلبت الإبتسامة عبوسا و لمعت عيناه وأخد الدمع يترقرق و لم انتظر سوى دوي صراخ و عويل وبكاء!
ولكن حدث ما جاوز خيال كاتب السطور, امتدت يد الأم بلا تردد إليه لا إلى أخويه, لتمسح على وجهه و تداعبه فتغير حاله و أخذ يحرك يديه في فرح يداعب اليد الحانية وكنت أرى الأم التي أحلف بالله ما وقع ناظرها عليه تكلم زوجها وتقرأ لائحة الطعام! كيف علمت بحال طفلها ؟ بل كيف اهتدت اليد إلى وجنتيه دون إخوانه؟ وجدتني خاشعا أمام ما أرى! أفي كل جارحة قلب؟ وفي كل عرق نبض يهتف و ينادي : ولدي!؟
أصار الجسد يلبي نداء الولد فتسابق اليد السمع والنظر لتلبي قائلة : ولدي!
ألأنه بضعة منها فصار الجسد يحس بالجسد مهما قرب و بعد؟
وضعت الكتاب جانباً والتقطت الهاتف اتصلت فرد الصوت قائلاً : ولدي حبيبي.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home