عالماشي

Saturday, April 01, 2006

السعادة في مكتبة جرير

كنت متجهاً إلى الصالة الرياضية ذات يوم والتي توجد بجانب مكتبة جرير, فرأيت شيخي وأستاذي سلطان العلم فسألني مبتدراً : هل لك في رفقة إلى جرير؟ فرضيت وكنت أحسبها لا تدوم سوى برهة من الزمن. حتى إذا وصلت للمكتبة رأيته يتصفح صيد الخاطر لابن الجوزي : فسألت : أما قرأته قبيل أعوام ؟ فقال قد فعلت لكن جعلت أتصفحه ريثما تأتي. انظر هذا الباب المتعلق بالمسند1.ذهبت بعد شرح موجز أعقد صفقة IPOD مع البائع فسألني أستاذي : أليس عندك واحد مثله ؟ فما حاجتك بهذا؟

"أكيد حد مسلطه علي" عزيزي أبو جابر – هذه أطال الله بقاءك تقنية مشغل أصوات رقمي ..

نظر إلي باحتقار MP3 player?

و انطفأ النور بعقلي فقد كنت على وشك أن افيض بشرح اتبث له فيه أن معرفتي قد فتحت أبواباً من العلم أغلقت دونه.

ثم رقينا إلى حيث الكتب.. فنظرت إلى الكتب التي تحث البشر على السعادة بل وتأمرهم بها. فقلت, هذه كتب تجهل حقيقة النفس. وما أتعس الناس إن هم مشوا بين الناس بتعاليمها التي بها من التصنع ما الله به عليم!

فانتهز الفرصة و لم يضيعها: ما شأنها؟

أما حزن عليه الصلاة والسلام؟

نعم ولكن نعيمان رضي الله عنه و كذا نفر من الصحابة كانوا يدخلون السرور إلى قلبه وكذا فعل عمر حين اعتزل النبي عليه الصلاة والسلام زوجاته.

لكنه أعطى الحزن حقه, وترك لنفسه الشريفة أن تبكي أحياناً و تحزن أحياناً أخرى أما بكى حمزة وجعفراً –رضي الله عنهما؟ أما سمي عام من أعوامه بعام الحزن؟ أنتم لغيتم الحزن من النفس البشرية و حاربتموه, و ألّهتم الفرح. إن الإحباط و اليأس و الحزن بل الغم والكدر و البكاء إنها جميعاً مشاعر تصوغ النفس البشرية و هي جزء منها كما أن التفاؤل و الأمل و السعادة و الفرح و الضحك جزء منها

. غريب أمركم! أتريدون نصف إنسان؟

لست ممن تنسبني إليهم ولكن قل لي : ألست سوداويا في نظرتك بعض الشيء؟

بل واقعياً أستاذي.

انظر هذا مسند أحمد, و قد سبق لنا مطالعة رأي ابن الجوزي في صيد الخاطر فيما يتعلق به

أنسيت ما كنت أريد أن أتمه.

لا أعتقده شيئاً هاماً وضحك.

هل جئت بجابر وأمل 2 إلى هنا ؟

لا تذكرني فقد زعزعوا الأمن وأذاعوا الخوف. آه.. انظر, هذه موسوعة الآخرة لماهر أحمد صوفي وهو عمل جمعه من مصادر عدة ليسهل على الناس معرفة ما يتعلق بشؤون الآخرة. قدم له البوطي مع أساتذة عدة.

تذكرت. كنا نتحدث عن السعادة, وعندي أنها تفقد ولا تحس.

أخذ ينظر إلي بشيء من الاهتمام. هلا وضحت ؟

حباً و كرامة. السعادة مجرد وهم و خيال محض. سراب نتبعه دون أن نعلم أنها لا تبلغ على الأقل في هذ العالم. فأنت لا تحس بها, إن شعورك بها هو شعور طبيعي فإن فقدت أسبابها بت مهموماً فأنت بين حالة طبيعية و حزن أما السعادة فليست تدرك. أما قيل إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ؟ فكذا هي السعادة.

فهل أنت سعيد؟

إن كنت تشير إليها وفق ما شرحت. فأنا سعيد ولله الحمد و المنة.

لكن مرت علي أيام كنت بها سعيداً.

هي لحظات من العمر شيخي. كيوم تخرجك و يوم مولد جابر وأمل. أتذكر حين اشتريت سيارتك؟ أما كنت سعيداً ؟ و الآن بات الأمر عندك عادياً , فإن تعطلت تكدر عيشك. وإلا فقد ألفت الأمر برمّته, وهذا جانب السعادة المأساوي أننا ندمن أثرها في النفس ولكنا سرعان ما نألف أسبابها, فتجد الزوج الذي دفع الأموال الطائلة و بذل الطاقات والأوقات, تجده ما يلبث أن لا يمضي وقتاً مع أهله كما فعل في السابق, ولا يتغزل بحسنائه التي اعتاد جمالها.

ثم أن السعداء أقوام لا يحركهم و لا يدفعهم شيء, هم لا ينشدون التغيير بأي حال من الأحوال فقد نالوا السعادة و وصلوا إليها . فهل تسعد البشرية حينذاك إن ظل البشر على حالهم ؟ هب أن البشر ارتضوا وسعدوا بما وصلوا له من التقدم قبل ألف عام. أكان هذا يسعد من بعدهم ؟

انتبه و ترك كتيباً يتحدث عن علم NLP ما مصدرك؟

تذكرني بقول مكسيم غوركي ..

أنت و الروس!

"استطيع أن أشبه نفسي طفلا بخلية نحل يحمل إليها أناس بسطاء متباينون عسل معرفتهم و آرائهم في الحياة و كل منهم يشترك اشتراكا واسعا حسب إمكانيته الخاصة في تطور شخصيتي و نموها و غالبا كان العسل وسخا مرا و لكنه باعتباره معرفة عسل على أية حال." هي خلاصة حديث, وقراءة و شيء من التفكر لا أكثر. أكاد أجزم أنها ليست فكرة أصيلة, أعني بذاك أني ما سبقت البشر إليها و لا اهتديت لها من دونهم قاطبة.

و امضينا بقية الليل في نقاش علمي لا أحسب القراء يهتمون به حتى خرجت و سلمت على الشيخ ثم انتهيت إلى حيث أوقفت سيارتي و لم أندم أني لم أمارس رياضة البدن كوني مارست رياضة الروح و العقل. و تعللت بما قال الشاعر:

يا خادِمَ الجِسم كمْ تشقى بخِدْمَتهِ *** أ ِتطلُبَ الرَّبحَ في ما فيه خُسْرانُ

أقبِلْ على النَّفسِ فاستكمِلْ فضائلَها ***فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ



1مسند الإمام أحمد. وهو أحد الكتب الستة في علم الحديث.

2أبناء الشيخ.



>