عالماشي

Friday, February 24, 2006

بطاقة تهنئة

مع اقتراب تاريخ ميلادي و تزامنه و خسارة أثخنتني جراحاً أرجو من الله أن يشفيها كتبت ما يلي

في نفس هذا اليوم ولدت وفي نفس هذا اليوم بكيت لأول مرة فأردت على غير عادتي أن أهنيء نفسي..بيوم ميلادي

كل عام ..كل عام أخشى من نفسي وعليها فأين مهرب؟

كل عام يحظى بي اليأس, كل عام من الناس أعــجــــب

كل عام تتغير أفكاري, كل عام تناقض ممن قبله أصـــخــــب

عام أنقش كلاماً وبعده عام أستحي منه ويليه عام لنفس الكلام أطرب

عام أفخر وعام أسخر..عام أسكت وأعواما أغضب

كل عام أذكرها وكل عام تسألني النفس إلى متى أرقب؟

كل عام يمضي كل عام يبكي قبله كل عام تغدو الحياة أغرب

عام بعد عام أؤمل الأوهام.

عام بعده عام .. وأيام تجرها أيام ..

كل عام أشيع أقواماً , كل عام أضحك في وجوه وأقول مرحب.

كل عام وأنا عن الحياة أبعد. كل عام وأنا للموت أقرب

كل عام وأنا بخير...

Saturday, February 18, 2006

14355

ليس هذا رقم الحظ أو طالع السعد لبرج البغل الذي يستحسن فيه زراعة البقدونس. ليس هذا الرقم دنانير أملكها, أو عدد خميس عرمرم أعد له في جيب من الجيوب. هذا الرقم هو أنا! نعم إنه رقمي الوظيفي, فعندما يتحدث أهل الدوائر العليا في مؤسستنا الرشيدة فإنهم ينظرون لي على أني مجرد عدد... لا حياة فيه, لا يجوع و لا يعطش, لا يكل ولا يمل , لا يمرض أو يسقم, لا يحب أو يكره, لا تعتريه هموم و لا هوايات له أو اهتمامات عدا ما سخر لأجله في منظومتهم الغراء.

وفي البنك أعرف بأني العميل (رقم الحساب) وفي النادي الصحي أنا العضو : (رقم أيضاً!) وحين أهم بسداد الفواتير فأنا المشترك (رقم آخر!!) الحامل قصاصة الورق ليثبت ماهيته وهويته. وتهون مصائبي وتضمحل حين يزج القادة بجنودهم (أبناء البلد في غالب الأحيان) , فيزجون بهم في المهالك ويوردونهم أضيق المسالك لأتفه الأمور دونما إكتراث لحياتهم أو التفكير في قلوب تشعر بدفء الحياة من خلالهم.

وكذا سماجة مذيع نشرة الأخبار حين يعلن بلا مبالاة مصرع العشرات ومقتل المئات ومهلك الآلاف. لذا أقترح إعادة الصياغة لتشمل هذه الإحصائيات قلوب الثكلى والأرامل واليتامى, علنا حينئذ نشعر بأنا بشر, بأننا لسنا أعداداُ بل أناس..لم نخلق من الأرقام بل من طين خلقنا, وملئنا شعوراً و إحساس.
==============================
الخميس :
الجَيْشُ الجَرَّارُ لَهُ خَمْسٌ: الْمُقَدِّمَةُ وَالقَلْبُ وَالْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ وَالسَّاقَةُ.

العَرَمْرَمُ : الشديد / الجيش العرمرم، أي الكثير العدد.

وجَيْبُ الأَرضِ : مَد خَلُها .

Wednesday, February 15, 2006

من قديم ما نشرت

ٌقـــــــصـــــة قــــــــلـــــم

وجد في ظلام.. أخرسٌ أصم. حتى جاء يوم الشؤم. يوم لامست يداها جبينه. يا لسعادته, قد أزاحت الغطاء عن عينه. أفاقته من منامه.. انتزعته من أوهامه. باتت في ترددٍ وحيرة بينه وبين اخوته.

"جربيه امتحني إخلاصه في بكاءه" كان هذا صوت صديقتها سعــاد.

وأخذت تبكيه "جميـل أثر بكاءه يا سعـاد. ألا ترينه؟ "

جميلُ .. جميل. هيا بنا أكاد أنهار. فأنا كما تعلمين أكره الزحام والانتظار.


وصلت البيت. وفي البيت نزعت غطاءه. يا لفرحته لوحده معها؟ أحقيقة هي أم خيال؟ وأخذت تبكيه و دمعه ينهال. على صفحة من دفتر الذكريات, ليصور ما هو ماضٍ وآت. ليرسم ماضيها و فرحةً تعتليها. أيامٍ يسره وأخرى عصيبة … أيام حبها يا للحظات العسرة.

ومرت ليال.. وهو يبكي بين أناملها وهي تجول به يمنةً ويسرة. وفي ليلة.. جف الدمع من عينه ما عاد يقوى البكاء أرهقه السهر والعناء. أخذت تهزه في ضجرٍ وملل" ما بالك؟ ما دهاك؟ ألم أفضلك على إخوانك؟ عجيبٌ أمرك. ما كان هذا ليحصل لو اخترت ابن عمك أو أخاك!"

وما هي إلا لحظات. حتى جاءت بالجديد.. بابن العم أو ابن الخال. ورمت بالمسكين في سلة المهملات. أتراها تبكي جديدها لتذكر قديمها في دفتر الذكريات؟ في دفترٍ سجل كل ما هو ماضٍ وآت؟

Monday, February 13, 2006

ســــــــارة و أخــــــواتــــــــها

ذكر المؤرخون أن عملاق الأدب العربي "العقاد" أحب مرّتان و فشل في كليهما ولعل أثقل الكفتين وأرجحهما هو حبه لإمرأة أطلق عليها إسم "سارة" بل بلغ به حبها أن ألف كتاباً عنونه بإسمها. حب لم يلبث وأن يفجعه على إثر خيانتها له. فاعتزل النساء ومات وحيداً ولم يلد له من الأبناء سوى القلم. ذاك الإبن البار الذي خلد إسم أباه في قلوب الملايين, فهل مات العقاد حقا؟ وهل بقي على قيد الحياة من أنجب الأبناء؟

تذكرت حينها وكما قال الشاعر :

تذكرت والذكرى تهيج على الفتى**** ومن عادة المحزون أن يتذكرا

تذكرت وتفكرت فيما مضى..سنين الصبا والهوى, أضرك حب اثنتين أيها العملاق فشق عليك الهوى؟ فكيف بمن أتلف قلبه عشرات النساء؟ يتناوشنه بسيوفهن و يضربنه برماحهن و يطعنّه بخناجرهن فعثن فيه فساداً و أبين لروحه إلا خراباً. ما أن تتناوله الواحدة منهم حتى تلعن أختها ومن قبلها لقلة إهمالهن, وعدم إخلاصهن في هدم كل ما له معنى , و حرق كل ما هو أخضر. سفكن الدماء وعبثن بالأشلاء ..... فواه أستاذي من كبد تصدع و عين سقاها ألف مدمع, و نفس صارت من الهوى تجزع.

لا بعد, لن أعطي مخلوقاً أسباب سعادتي ومفاتيح نفسي وأغلال هواي. وهل يرضى الحر رقاً ؟ وهل يهوى العزيز ذلاً ؟ أصبحت أفر من الغيداء منهن فراري من السبع, فهن وإن طابت أنفسهن كالدب يقضي على صاحبه بغباءه! علمت عن خبرة لا عظة أن الحب أسلم للمرء بعد الزواج.

من قديم ما نشرت ...عل في القراء من يجدها جديدا..

لمسة من عالم آخر

في يوم من أيام الله انتهى بي المطاف إلى زاوية في مقهىً عربي , أحضرت قهوتي فهممت بالقراءة وأنا لا أدري لأيهما أنا أشد إدمانا؟ وإذ برجل و زوجته معهم من الأطفال الرضع ثلاث هم آية في الجمال, وقد جلسوا جنباً لجنب فكأنك ترى ثلاث أقمار تجلت الدنيا بزخرفها في محياهم, دعج العيون يخالط بياض وجنتهم حمرة أشبه ما تكون بحب رمان تناثر على مرمر و رخام .

جلست الأم بجانب العربة, وجلس الأب في الطرف الآخر من الطاولة. أما الرضع فقد توسد صاحب الجناح الأيمن وصاحبه ذو الجناح الأيسر واعتدل الأوسط في جلسته وكأنه صاحب راية, أو ملك مهيب بين وزيريه و أخذ الفضول مأخذه منهم فذهبوا يحملقون في كل شيء وتطال أعينهم ما عجزت أيديهم عنه, فانتبه الأيسر منهم إلي و ظل يرمقني , ولا أخفي القراء أني ظللت أحملق فيه تحدياً ثم انتبه الآخران فهبوا لنجدته و ظلوا يرشقون سهام اللحظ حتي وليت هارباً خلف صفحات الكتاب و إلى القراءة والكثرة تغلب الشجاعة, عدا العرب. ثم كررت مرةً أخرى وإذ بالأوسط سئم النظر, و ساوره الملل و استوحش وتبدلت معالم وجهه ككثبان الصحراء في يوم عاصف , فانقلبت الإبتسامة عبوسا و لمعت عيناه وأخد الدمع يترقرق و لم انتظر سوى دوي صراخ و عويل وبكاء!

ولكن حدث ما جاوز خيال كاتب السطور, امتدت يد الأم بلا تردد إليه لا إلى أخويه, لتمسح على وجهه و تداعبه فتغير حاله و أخذ يحرك يديه في فرح يداعب اليد الحانية وكنت أرى الأم التي أحلف بالله ما وقع ناظرها عليه تكلم زوجها وتقرأ لائحة الطعام! كيف علمت بحال طفلها ؟ بل كيف اهتدت اليد إلى وجنتيه دون إخوانه؟ وجدتني خاشعا أمام ما أرى! أفي كل جارحة قلب؟ وفي كل عرق نبض يهتف و ينادي : ولدي!؟

أصار الجسد يلبي نداء الولد فتسابق اليد السمع والنظر لتلبي قائلة : ولدي!

ألأنه بضعة منها فصار الجسد يحس بالجسد مهما قرب و بعد؟

وضعت الكتاب جانباً والتقطت الهاتف اتصلت فرد الصوت قائلاً : ولدي حبيبي.

Saturday, February 11, 2006

البحر وإياي



للبحر تأثير غريب, بل سحر عجيب في نفسي , و قد اضررت إلى ركوبه والنيل من كنوزه فهو يلعب بي كالدمية في يد الطفل.تارة يسفر لي عن هدوء لأسافر على ظهره متأملاً متفكراً في الكون حولي, وتارة يقذف بي ذات اليمين والشمال غاضباً مزمجراً. والويل ثم الويل لي حين يستره الليل فيتأرجح في حزن, و يزفر موجاً كأنين من أعماقه,لا يسمع شكواه سوى قلب من صفيح صيغ من الحديد, فيأن مرتطماً وهو في هذا يأرجح دمعي ويهيج مشاعري ويقلب ذكرياتي.أطرق فيم مضى و يسامرني الشيطان باقي ليلي " ماذا لو كذا, أما كان كذا؟" حتى يضيق صدري بثلاثة أبحر, بحر من تحتي وسماء من فوقي و دمع بملحه في عيني.. عذراً إلى هنا رفض قلمي البكاء وأسلم الأمانة عيني.

Thursday, February 02, 2006

صـلاة المـوت

تعلن الخطوط المصرية عن بدء إستقبال الركاب على رحلتها 990 والمتوجهة إلى القاهرة ... وذلك عن طريق بوابة رقم 27. "حسناً .. لكنني آتية ولن أعدل عن ذلك" أغلقت السماعة, نظرت حولها وكأنها لا تدري ما الذي جاء بها إلى مطار JFK بنيويورك الأشبه بالمتاهة , ثم سألت النادل : عفواُ أين بوابة الرحلة المتجهة لمصر؟ فأشار إلى الشاشة عن يمينها
شكراُ
استعدت الفتاة في قاعة مسافري الدرجة الأولى للتوجه, تجر حقيبة سوداء خلفها, سواد يشبه سواد شعرها الذي تموج خلفها كستار حريري تداعبه نسمات الربيع. كان شأنها شأن الأميرات التي يقص للصغار عن جمالهن وسحرهن. لم تضع أيا من المساحيق على وجهها سوى كحل يزيد عينيها فتنة. ترتدي معطفاً رمادي, كلون سماء مدينة نيو يورك في فصل الشتاء. وقفت أمام بوابة المغادرة حيث أخذ الرجال يرمقونها بنظرات الإعجاب, لكن جداراً من الصمت خيم على المكان برمته, فقد كان الوقت متأخراُ والكل آذاه التعب والبرد. وقع نظرها على أم في آواخر العقد الثاني من عمرها تحدث إبنتها كصديقة عمر آت ليس بماض .
عقبال عندك
نظرت وإذ بعجوز قد مالت برأسها نحوها وهي تنظر معها لمشهد الأم مع طفلتها
"م..تشكر..ه" قالتها و الشك يساورها أهكذا تقال؟ حدثت نفسها.
" ذاك من دواع سروري عزيزتي" خاطبتها العجوز بلهجة بريطانية بحته. لم تشك الفتاة معها أنها مستشرقة أو شيء من هذا القبيل. ثم استكملت "إن أنوثة المرأة وأمومتها وجهان لعملةٍ واحدة عزيزتي" و ختمت جملتها بابتسامة حانية.
أخذ الطاقم ينادي على ركاب الدرجة الأولى فقامت بصمت وأومئت للعجوز بالشكر معلنةً رحيلها بإبتسامة حزينة. اقترب مراهق من العجوز حالما ذهبت الفتاة تجر حقيبتها و أخذ بصره يلاحقها حتى فقدها بين الزحام.
جدتي من تلك الحسناء؟
ليس ذلك السؤال عزيزي, بل قل ما بال هذه الحسناء؟
ثم صمتت العجوز برهة.
جدتي؟
لا عليك..على العموم أين أخوك ؟
قادم الآن.
حيتها المضيفة بكل تصنع وكأنها الحبيب الغائب: صباح الخير , مرحباً بك على متن الطائرة..." بدا الإمتعاض جلياً على ملامحها وكأنها ضاقت ذرعاً بتلك الشكليات. ذهبت إلى حيث أشارت المضيفة, وضعت الحقيبة بالرف العلوي. ثم جلست شاخصة البصر أمامها, إنتبهت وإذ بالمضيفة مرة أخرى بتصنعها تسألها إن كانت تريد أن تشرب شيئاً قبيل الإقلاع.
تنهدت ورمقتها قائلة : أرجو منك أن تدعيني وشأني, لا أريد طعاماً ولا شراباً..
"حسناً سيدتي " و ابتسمت مرةً أخرى.
جلس بجانبها رجل في الأربعين من عمره, يبدو عليه أنه رجل أعمال في إجازة فملابسه متضاربة المناسبات والألوان ربما لأن ذوقه ما اعتاد سوى البذات الفارهة ومثله لا يعرف أن يظهر على حقيقته كرجل عادي. تظاهرت بالنوم, إلا أنه كان من المضحك بعض الشيء أن يحدث أصواتاً و يفتعل أموراً شتى كي تنتبه من منامها المصطنع. أخذ الطيار بالتحدث عن إجراءات السلامة و حالة الطقس. من الغريب أن تصر الخطوط برمتها أن تواصل خطبة لا يعيرها أي من الركاب اهتماماً أو انتباهاً
"ما شأننا بالجو خارج الطائرة إن كنا موثقين بداخلها" تسائلت في نفسها.
أغمضت عينيها وأخذت تعود بذكرياتها إلى الوراء لتسترجع شريط دام ثلاث وعشرين عاماً.. كانت تبتسم حيناً و تغرق بالتفكير. كيف كانت حياتها لتكون لو فعلت كذا أو كذا؟ مرت بسنوات المراهقة كم كانت ساذجة ً حينها, تذكرت أختها الصغيرة و صديقتها "فاتن" انتهى الشريط بالمكالمة, التي أجرتها لتوها مذ ساعة أو دون. تلك المكالمة سلبت منها نفسها لتتركها جيفة بالية وجثة هامدة. مسحت دمعة هربت من عينها.. انتهى الشريط أمام مستقبل غامض, كم كان مشرقاً فأصبح قامتاً , كم كانت تتطلع لبلوغه وها هي الآن تعدو إلى الوراء لتعيش الذكريات هرباً منه.أخذت الطائرة تقلع.
" كم أكره الطيران" تحدث الرجل بجانبها في محاولة يائسة لبدء حوار مع تلك الفاتنة بجانبه إلا أنه كان أهون عليها من وقع الذباب, فلم تحاول أن تذبه أو تطلب منه الصمت فقد كان بالنسبة لها كعدمه. وبعد حين و سرعان ما اعلم القبطان ركاب طائرته إمكانهم نزع أحزمة السلامة وإذ بالحياة تدب مرةً أخرى على متن الطائرة ويبعث الركاب أحياء بضجتهم و صخبهم فيتسابقون في فك هذا الوثاق حتى صار صوت فك الحزام كالموسيقى العشواء! وكأن الناس في حقيقتهم يكرهون أي قيد يطوقهم وإن كان لسلامتهم! ثم جائت المضيفة المتصنعة لتقدم وجبة خفيفة فأخذ رجل الأعمال يبادلها أطراف الحديث و جال في نفس الفتاة أكانت تحدثه لو لم يكن في الدرجة الأولى أثناء عملها؟ أكان يحدثها بنفس الإنبساط والإنشراح لو كانت تكبره بعقود من الزمن؟
سيدتي؟ هل من شيء تريدينه؟
لا شكراً لك
متأكدة؟
نعم .
أخذت الطائرة تهتز اهتزازاً خفيفاً فأحنت رأسها وانسدل شعرها ليخفي محاسنها وعقدت يديها وكأنها تصلي و بدا للرجل بجانبها أنه ثمة شيء إلا أنه توجس في نفسه فتوجه للمضيفة قائلاً : يبدو الإضطراب بادياً على الفتاة بجانبي هلا ذهبتي وهدأتي من روعها؟ اهتزت الطائرة بشدة.. وبدأ الخوف يسلك طريقه إلى قلوب الركاب, وعبقت رائحته الطائرة إلا أن البشر وخصوصاً من تصنع منهم لا قدرة لهم على شم الخوف كما للحيوانات أن تشمّه وتشم الحب والكره. لكن الخوف أبى إلا أن يعلم القوم بحضوره تفشى كالطاعون من نفس لأخرى وأخذ الناس ينظرون لبعضهم البعض, ربما لأنهم أرادوا بذاك أن يكذبوا أنفسهم, وأنهم يبالغون في الخوف لكن ما أن تلاقت أعينهم حتى رأى كل منهم الخوف في قبضة الآخر متشبثا بكرسيه.
ضحك رجل الأعمال وهو يترنح كالثمل, في محاولة يائسة ليثبت لنفسه قبل غيره رباط جأشه. "لا تخافوا قد رأيت ما هو أسوأ " جلست المضيفة بجانب الفتاة:
عزيزتي إن مثل "هذه الإهتزا... " و رجت الطائرة هذه المرة رجاً عنيفاً : إنها مطبات جوية نمر بها في كل رحلة أصدقك القول إن كل شيء على ما يرام. التفت الفتاة إليها وانكشف حسنها بعينين تغرقان في دموع غاضبة تحدجان في من اقتحم صلاتها لم يكن بكاء خوف بل كان بكاء غضب يذيب كحلاً متحجراُ لينهمر قاتما كغضبها. دهشت المضيفة وانعقد لسانها أحست ببرودة تسري بداخلها. ساد الطائرة صمت مطبق.. هدوء يسبق العاصفة, هو نفس الصمت و نفس اليقين الذي يحل بمن حلق بطائرته الورقية واستيقن أنها بلغت أقصى علوها إلا أن ما يستقل الناس اليوم ليس لعبةً بل حقيقة !
أخذت الطائرة تهوي والأمتعة تتساقط و صرخ الجميع و علا صياح النساء وبكاء الأطفال, وقامت المضيفة تبكي وتصرخ وهي تحاول فك يدها لتهرب من شبح الموت الذي تجسد في هذه الفتاة ولكن الفتاة ظلت قابضة على معصمها و ابتسمت قائلة : ما الخطب عزيزتي؟ لا تخافي فالآن أصبح كل شيء على ما يرام ..
اعلن بعد ساعات سقوط طائرة الخطوط الجوية المصرية في صبيحة الأول من تشرين الثاني للعام 1999 ولا زال الغموض يكتنف الحادثة.


>