يتفق لي أحياناً أن أخوض نقاشاً فكرياً أو قل إن شئت قارئي – بعد كبدي- صراعاً أدبياً ثم يستشهد أحدهم بقول ناقد في الموضوع فينعقد لساني ويضيع بياني ويربط حبل أفكاري عقداً. فأنا إلى يومنا هذا لا استطيع أن أحلل الأدب وأعلله كطلبة الطب إذ هم يركضون خلف الضفادع ثم يشقون بطونها ليروا أمعائها فيحللوا ويعللوا ثم يأتي الجزار تحت التطوير (طالب طب) قائلاً : يا أخي سبحان الله لو تشوف قلب الضفدع!
يا من لا قلب له! أما أنا فيكفيني سماع نقيقها و رؤية بهي ألوانها كي أعظم لله خلقه فجمال الكل يفيد جمال الجزء وليس العكس بالضرورة.
ومنه قراءة النصوص الأدبية و نقدها فاليازجي أبدع أيما إبداع حين شرح ديوان المتنبي لكن يكفيني من سحر المتنبي أن أتخيله مستخف ليلاً، نحيل الجسم قد دق الهوى عظمه وهو يتوارى عن قوم محبوبته المعروفين ببأسهم حتى إذا ضاق ذرعاً ونفد صبراً وعيل حيلةً هم بالرجوع دون رؤيتها لكنه في ذروة التردد يلوم نفسه و يسأل عشقه الصفح عما هم بفعله. فتتقد عيناه محملقاً في الفضاء ومن عاشره علم أن الشاعر بداخل جسد المتنبي قد لبسه فلا يسمع ولا يرى سوى كلمات تتلاطم في مخيلته و بياناً يخوض به بحور الشعر، إنه يهم بقول أبيات يخلدها الزمان وقلوب المحبين من بعده فيقول:
وَما صَبابَةُ مُشتاقٍ عَلى أَمَلٍ *** مِنَ اللِقاءِ كَمُشتاقٍ بِلا أَمَلِ
مَتى تَزُر قَومَ مَن تَهوى زِيارَتَها *** لا يُتحِفوكَ بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ *** أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ
ثم يتسلل بينهم غير عابئ بسيوفهم و رماحهم، لينال من اللقاء ما يرجو المحبين من بعضهم.
نعم هكذا أتذوق الأدب.. فكيف تتذوقونه أنتم ؟